جدل فى أوساط المثقفين حول تولى الصاوى وزارة الثقافة

بسم الله الرحمن الرحيم

أثار الخبر الذي أعلنه أمس، الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس حكومة تسيير الأعمال، من خلال برنامج الحياة اليوم، بتعيين المهندس محمد عبد المنعم الصاوي وزيرًا للثقافة، جدلًا كبيرًا بين أوساط المثقفين، ففي حين رآه البعض اختيارًا صائبًا، قابله البعض الآخر بالرفض الشديد.
بينما رحب الروائي يوسف زيدان بالاختيار ووصفه بـ"المناسب" لما يتميز به الصاوي ببساطة وتلقائية، مما يجعله –في رأيه- مقبولًا عند جمهور المثقفين خاصة الشباب منهم، وقال لبوابة الأهرام:" يحظى الصاوي بقبول لدى جمهور كبير من الشباب، الذي لا يدخر جهدًا في الاستماع إليهم وتحقيق مايمكن تحقيقه من مقترحاتهم، وهو مايظهر جليا في الأنشطة والفعاليات الثقافية التي تشهدها "ساقية الصاوي"، والتي تعد أنشط نقطة ثقافية في القاهرة".
اتفق معه القاص سعيد الكفراوي، الذي يرى أن الفترة التي أدار فيها محمد الصاوي ساقية الصاوي أظهر فيها مسئولية ثقافية، واستطاع أن يفتح الباب أمام فنون مهمشة، كما أنه استطاع "بإدارة فردية" أن يصل للناس.
مضيفًا أنه بالرغم من أن الصاوي لم يكن ذا موقف واضح من ممارسات وزارة الثقافة لمصادرة حرية الرأي والتعبير سواء بالسلب أو الإيجاب، إلا أنه يأمل فى أن ينتقل الصاوي بنشاطه ومعارفه الثقافية "من تحت كوبري الزمالك إلى آفاق الثقافة الحقيقية فيفتح الباب أمام أدب الشباب، ويوصل المسرح بجمهوره القديم".
محمد عبد المنعم الصاوي، الذي جاء اختياره وزيرًا للثقافة من قبل رئيس الوزراء أحمد شفيق، هو مؤسس ساقية عبدالمنعم الصاوي الثقافية الشهيرة، والتي تأسست عام 2003، ويصنفها البعض بأنها صرح ثقافي شامل.
كما أنه صاحب النصيب الأكبر في أسهم شركة الإعلانات "عالمية" المشهورة بإعلانات الطرق، والتي ترعى كذلك تنظيم عدد من المهرجانات الشهيرة مثل سباق السيارات الشهير "أوتو كروس".
في سياق متصل، وصفت الروائية ميرال الطحاوي، هذا الاختيار، استمرارًا لمسلسل "زواج رأس المال بالسلطة" وأكدت أن المحصلة النهائية لذلك هي: "الفساد، والفساد، ثم الفساد".
حيث قالت: "الشعب المصري ليس طفلًا، ومطالبه في حكومة شريفة مطالب مشروعة، ورغبته في صفحة جديدة لمصر مكفولة بدمه وشهدائه وتضحياته".
وتابعت: "الواضح أن حكومة شفيق، لا تفهم ولا تدرك أنها حكومة غير مرغوب فيها، تمثل ذنبا لذلك النظام السابق، وأن بلاغة السيد رئيس الوزراء، الذي بدأ أول مؤتمراته الصحفية قائلا: ( يا لله بقى اضربي السؤال ولا أنت عارفة غلاوتك علينا ومش عايزة تضربي السؤال؟).. نموذجًا للثقافة الراقية والخطاب، الذي يؤكد انتماء السلف للخلف في البلاغة واللياقة وسرعة الفهم والقدرة على تلبية مطالب الجماهير".
أضافت : "ما يحدث هو تغيير للوجوه على طاولة وزارة ليست مطروحة، مع احترامي لكل الأسماء المطروحة والتي طرحت، أعتقد أن دور وزارة الثقافة قد انتهى، بحيث أصبحت مجرد وزارة لا دور لها، بكل لجانها البيروقراطية ومؤسساتها التي تعاني الفشل والفساد والترهل، لأن ساقية الصاوي لم تكن مشروعا فنيا رفيعًا، يرقى صاحبه لأن يدير حياتنا الثقافية من خلف طواحينها".
اتفق معها الروائي أحمد زغلول الشيطي، الذي أكد أنه لا يعرف محمد الصاوي شخصيًا، وأن المرة الوحيدة التي رآه فيها كانت على مسرح قاعة النهر بساقية الصاوي يوم حفل زياد رحباني، الذي نظمته الساقية، في مارس 2010، والذي اتسم في رأي الشيطي بالعشوائية في التنظيم وعدم الدراية بنوعية الموسيقى التي يقدمها زياد ومقدار تمردها وفضحها للزيف، وقال: "عندما ضج الجمهور من الاضطراب والزحام الشديد والتأخر غير المبرر في ميعاد بدء الحفل، صعد الأستاذ الصاوي إلى المسرح يناشد الجمهور الصبر، ويطمئنهم بأن زياد سيظهر بعد قليل وأنه تزجية للوقت سيحكى للجمهور نكتة، وبالفعل حكى نكتة شديدة الضحالة والبواخة وتتسم بالإهانة لشخصية المرأة".
استطرد: "كان واضحا أن الأستاذ الصاوي قد قام بطبع الكثير من التذاكر بما لا تحتمله القاعة ولا التجهيزات وفشل الحفل فشلا ذريعًا، وكسب الصاوي العدد الضخم من التذاكر المباعة، التذكرة بـ 125 جنيها وخرج الجمهور محبطا".
أضاف: "أدار الصاوي الحفل بذهنية التاجر لا المثقف، وأظن أن الساقية هي نسخة قطاع خاص استثماري من مؤسسات الحزب الوطني، وأنها بذلك تنجح في استقطاب الجمهور الذي لا يرغب في التعامل مع الحزب الوطني، فقد قام النظام باستنساخ نسخة من ذاته، وسنرى تجليات متنوعة لهذه النسخ في كل المجالات على الأقل في الوقت الراهن، ومثلما رفضت الأصل فإنني أرفض النسخة".
كذلك يرى الموسيقار فتحي سلامة أن الساقية مؤسسة تجارية بالأساس هدفها الربح، مشيرًا إلى أنها تقوم في سبيل ذلك بتقديم المستوى السيئ على أنه ثقافة فتسهم في نشر الجهل لا الثقافة.
حيث قال: "كنت من أوائل المؤيدين لوجود كيان ثقافي كالساقية، وقد قدمت العديد من الحفلات فيها لكني توقفت منذ سنتين تقريبًا، لأن الكثير من العروض التي تقدم هناك عروض دون المستوى، فأي أحد من الممكن أن يقدم عرضه هناك، إذا استطاع أن يملأ الصالة بأصحابه، بغض النظر عن المستوى، وقد شاهدت الكثير من الفرق، التي لا تستطيع حتى ضبط جيتاراتها، وهذا ضد ما تدعيه الساقية من نشر الثقافة".
أضاف : "أقدر تحويل مقلب القمامة الذي كان أسفل كوبري 15 مايو إلى ساحة ثقافية، ولكنني أتساءل، كيف استطاع محمد الصاوي الحصول على هذا المكان؟ الجميع يعلم مدى صعوبة الحصول على أي تراخيص في مصر بالإضافة إلى ارتفاع ثمن هذه المساحة على النيل مباشرة، وقد شهدت معاناة الكثيرين في الحصول على تراخيص لإقامة مشاريع مماثلة، لكن لم يكتب لأحدهم النجاح "اللهم إلا إذا كان واصلا".
وفي شهادة أخرى للناقد والمخرج المسرحي محمد عبدالخالق، وصف فيها الصاوي بأنه وزير ثقافة غير مؤمن بحرية الرأى، وأشار إلى حادثة شهدها بعينيه، عندما قام الصاوي بإيقاف عرض مسرحي للمخرجة عفت يحيي، في أثناء عرضه، بحجة أنه غير مقبول رقابيًا ما كانت تقدمه المخرجة من فكر في مسرحيتها.
وأكد عبدالخالق: "رغم أن هذا الأسلوب، تميزت به مسارح الدولة، لكنه لم يحدث أبدًا أن جاء الرقيب في أثناء عرض ما، وأوقفه في منتصفه لأنه لا يقبله رقابيًا.
الحقيقة أنه ومنذ مُنح الصاوي الحق في الحصول على مساحة الساقية، كان علينا أن نتصور أنه ليس رجلًا من رجال الثقافة ولا من أمثالنا من أهل مصر، بل هو واحد من أنماط النظام السابق بكل تداعياته، فلا فارق كبيرا بينه وبين حسام بدراوي مثلًا، والشىء الأغرب أنك تشعر بأننا عندما نعترض على فاروق حسنى، وهو قامة ثقافية حتى ولو اختلفنا معه، يجيئون لنا بمن هو أقل، وكنت أفترض أن يكون رجلًا مثل الصاوي وزيرًا للشباب، لكن ليس وزيرا للثقافة، فاختياره بعد جابر عصفور ومحاولات مع أمثال بهاء طاهر وفاروق جويدة، يبدو كـ"طلسقة" معيبة".
كما أبدى الشاعر والمدون يوسف رخا عدم تحمسه لتولي الصاوي منصب الوزارة، وأكد ضرورة إلغاء وزارة الثقافة كما حدث مع الإعلام وأن تحول ميزانيتها لدعم مشاريع ثقافية مستقلة، مثل المراكز الثقافية ودور النشر ومساحات العرض.